فيدل كاسترو: ألثائر والرجل الذي تحدى الزمن والتاريخ

بقلم: عبدالرقيب احمد قاسم عكارس
2016-08-12 10:54:20

Pinterest
Telegram
Linkedin
WhatsApp

فيدل كاسترو الرجل ألثائر الذي استطاع الصمود أمام ما وصفها بالإمبريالية الأمريكية طوال اكثر من خمسين عاماً، قاوم حتى آخر نفس من أجل إنهاء هيمنة الولايات المتحدة على وطنه كوبا، شخص يتحدى الزمن والتاريخ، يحتفل بمناسبة عيد ميلاده ال 90.

ولد فيدل كاسترو في الثالث عشر من أغسطس/آب عام 1926، في بيران الواقعة جنوب شرق كوبا، لعائلة ثرية اشتهرت بأعمال الزراعة وتجارة الأراضي، التحق بمدرسة داخلية يسوعية في مدينة سانتياغو دي كوبا، وانتقل في المرحلة الثانوية لمدرسة كاثوليكية في مدينة هافانا، ثم أكمل دراسته في جامعة هافانا حيث التحق بكلية الحقوق وتخرج منها عام 1950، بحصوله على درجة الدكتوراه في القانون.

بعد التخرج بدأ فيدل كاسترو بممارسة المحاماة لمدة عامين، كان حينها ينوي الترشح في الانتخابات البرلمانية القادمة، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد تم إلغاء الانتخابات بعد قيام فولهينيسو باتيستا بانقلاب عسكري أطاح بنظام كارلوس بريو ساكاراس.

وبدأت الحياة السياسية في كوبا تتخذ مجرى آخر، عصر جديد في ظل نظام ديكتاتوري مدفوع من الولايات المتحدة الأمريكية، قيد حرية الصحافة والإعلام، وبات يلاحق المعارضين وكل من لا يعلن ولاءه للحاكم، ومن هنا دبت روح الثورة في الشاب المحامي، حيث بدأ بتشكيل قوة ثورية لمهاجمة ثكنتي مونكادا وكارلوس مانويل دي سيسبيديس، إعلاناً لرفض سياسة باتيستا القمعية، لكن محاولته باءت بالفشل، حيث أسفر الهجوم عن مقتل 80 من الثوريين، كما تم إلقاء القبض عليه هو وبعض زملائه، وحكم عليهم بالسجن لمدة 15 عام، وبعد عامين فقط تم الإفراج عنهم في مايو/أيار من عام 1955.

سافر فيدل كاسترو إلى المكسيك بعد إطلاق سراحه، بهدف البعد عن عيون الاستخبارات الأمريكية المزروعة في مختلف أنحاء كوبا، وهناك اجتمع كاسترو برفاقه الثوريين وعلى رأسهم أخوه راؤول للتخطيط لثورة مسلحة بهدف إنهاء الهيمنة الأميركية على كوبا، وإسقاط نظام باتيستا الديكتاتوري، كما قام بتأسيس حركة 26 يوليو/تموز الثورية، التي كانت سبباً في لقائه بالمناضل الاجنتيني – الكوبي ارنيستو تشي جيفارا، وبمرور الوقت نشأت بينهما علاقة صداقة قوية، ساهمت فيما وصلا إليه كلاهما.

فور الانتهاء من تجهيز الخطة والتدريب الكافي، أبحر كاسترو ورفاقه إلى كوبا لإشعال فتيل الثورة، وبالفعل لاقت مبادئ فيدل كاسترو الثورية تأييد شعبي هائل، كما انضم عدد كبير من أفراد القوات المسلحة الكوبية إلى جانبه، الأمر الذي ساعد فيدل ورفاقه في إسقاط نظام باتيستا الحاكم المستبد الذي اختار الهرب بعد فشل محاولة بقائه في الحكم في يناير/ كانون الثاني 1959.

بعد الإطاحة بنظام باتيستا تسلم فيدل كاسترو مقاليد الحكم في البلاد، وسرعان ما تحولت كوبا إلى بلد تعتنق الشيوعية، الأمر الذي أثار غضب الولايات المتحدة فأبت إلا أن تفشل الثورة، وتنتزع الحكم من فيدل كاسترو بأي ثمن كان.

سارعت الولايات المتحدة بالاعتراف بالحكومة الكوبية الجديدة وكان فيدل رئيساً للدولة آنذاك. و كلف أحد البرجوازيين برئاسة الحكومة ، تفاديا لضربات السياسة الأمريكية المعادية للشيوعية و الاشتراكية ، وسرعان ما بدأت العلاقات الأمريكية الكوبية بالتدهور عندما قامت كوبا بتأميم الشركات ، و تحديداً، شركة "الفواكه المتحدة". وفي ابريل/نيسان من عام 1959، زار الرئيس فيدل كاسترو الولايات المتحدة والتقى مع نائب الرئيس ريتشارد نيكسون، وتذرّع الرئيس الأمريكي لعدم استطاعته اللقاء مع كاسترو لارتباطه بلعبة الغولف وقد طلب الرئيس الأمريكي من نائبه التحقق من انتماء فيدل كاسترو السياسي ومدى ميوله لجانب المعسكر الشرقي، وخلص نائب الرئيس نيكسون إلى أن فيدل "شخص بسيط و ليس بالضرورة يميل إلى الشيوعية".

وفي فبراير/ شباط عام 1960، اشترت كوبا النفط من الاتحاد السوفييتي السابق ورفضت الولايات المتحدة المالكة لمصافي تكرير النفط في كوبا التعامل مع النفط السوفييتي، فقام فيدل كاسترو على تأميم المصافي الكوبية التي كانت تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية ، مما جعل العلاقات الأمريكية الكوبية في أسوأ حال. و قامت الولايات المتحدة بمحاصرة كوبا و ما زال هذا الحصار قائم إلى هذا اليوم

حكم فيدل كاسترو البلاد قرابة الـ 50 عاماً، شهد فيها رحيل وصعود نحو 10 رؤساء أميركيين، جميعهم حملوا البغض والكره والعداء لفيدل، فقد حاولت المخابرات الأمريكية اغتياله 638 مرة وفقاً لما صرح به أحد وزراء كوبا مؤخراً، وتنوعت هذه المحاولات ما بين محاولة قتله من خلال القناصة، وما بين حشو سيجاره الخاص بالمتفجرات، ودس السم له في كأس البيرة، وغيرها الكثير من الطرق التي باءت جميعها بالفشل.

لم تنحصر محاولات الولايات المتحدة في التخلص منه بالاغتيال فقط، فقد حاصرته اقتصادياً أيضاً لتضييق الخناق على الشعب الكوبي، أملاً في أن يحتج وينادي بإسقاطه، لكنها باءت بالفشل هي الأخرى، وباتت الوسيلة الوحيدة للإطاحة بحكمه هي التدخل العسكري والصراع وجهاً لوجه، وذلك في معركة خيرون، (خليج الخنازير) عام 1961 التي شنتها الولايات المتحدة للاستيلاء على الجزيرة الكاريبية.

أغلقت جميع الأبواب بوجه أمريكا، ولم يكن هناك بد من اتخاذ خطوة عسكرية لقلب نظام الحكم والإطاحة بالحكومة الثورية، فقررت وكالة الاستخبارات الأمريكية استغلال المرتزقة المأجورين، والكوبيين المنفيين وهم الذين غادروا كوبا بعد انتصار الثورة رفضًا للحكم والسياسة المتخذة، وقامت بتدريبهم في غواتيمالا لاستخدامهم كقوة مضادة.

وافق الرئيس الأمريكي جون كيندي على اقتراح وكالة الاستخبارات الأمريكية في الـ 17 مارس/آذار 1960، واقترح خليج الخنازير ليكون ساحة المعركة، وبالفعل بدأت وكالة الاستخبارات في تدريب قواتها على الفور استعداداً للهجوم، وفي السابع عشر من أبريل/نيسان 1961 بدأ الغزو البري بخليج الخنازير..

والتقت قوات المعارضة الكوبية المدفوعة من الولايات المتحدة بقوات الحكومة الكوبية، لكن فيدل كاسترو كان لديه علم مسبق بما تجهز له الولايات، فقد تسربت أخبار الهجوم عن طريق مخابرات الاتحاد السوفييتي السابق العدو اللدود لأمريكا، فقام باستعداده هو الآخر، وفي غضون ساعات سحقت القوات الحكومية الكوبية القوات الأمريكية وأنزلت بها هزيمة ساحقة.

وفي التاسع عشر من شهر فبراير/شباط 2008 استقال فيدل كاسترو من منصبي رئاسة الدولة والقيادة العامة للقوات المسلحة الكوبية، وأعلن عن خطوته تلك ذلك في رسالة نشرتها صحيفة جرانما الرسمية في موقعها على الإنترنت.

وقال كاستروا في رسالته تلك: "سوف أخون ضميري إن أنا قبلت تحمل مسؤولية تتطلب الحركة والتفرغ والتفاني بشكل كامل، فأنا لست في حالة صحية تمكنني من بذل هذا العطاء".

" إلى مواطني الأعزاء الذين شرفوني بانتخابي عضواً في البرلمان، أكتب إليكم لأقول إنني لا أتطلع ولن أقبل، وأكرر لا أتطلع ولن أقبل منصبي رئاسة مجلسي الدولة والوزراء ورئاسة أركان الجيش".

انتهت رحلة فيدل كاسترو بعد ثبات نصف قرن بمواجهة أمريكا، التي أنهكتها محاولات إزاحته عن الحكم سواء بالاغتيال أو بأشكال أخرى، وبالرغم من تباين موقف الشعب الكوبي من فيدل كاسترو، إلا أنه يعتبر بطلاً وقائداً في أعين الأغلبية في كوبا.

وقد اجتذبت مبادئ فيدل كاسترو كاسترو الثورية تأييدا واسعا في كوبا، وتمكنت قواته في عام 1959 من الإطاحة بنظام باتيستا الذي أصبح يرمز إلى "الفساد والتعفن وعدم المساواة".

وهكذا أصبح فيدل كاسترو العدو رقم واحد بالنسبة للولايات المتحدة، مما حدا بحليفه الاتحاد السوفياتي حينذاك بأن يقرر نشر صواريخ بالستية في الجزيرة الكوبية لردع أي محاولة أمريكية لغزوها، وذلك وفقا لمذكرات الزعيم السوفياتي حينذاك نيكيتا خروشوف.

وبعد ذلك بعام واحد، بدأت أزمة الصواريخ السوفياتية الشهيرة التي كادت أن تجر العالم إلى حرب عالمية ثالثة.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول عام 1962 اكتشفت طائرات تجسس أمريكية بالفعل منصات الصواريخ السوفياتية في كوبا، مما جعل الولايات المتحدة تشعر بالتهديد المباشر.

إلا أن الأزمة لم تطل كثيرا، فقد توصلت موسكو وواشنطن إلى تسوية أزال الاتحاد السوفياتي بموجبها صواريخه من كوبا مقابل تعهد أمريكي بعدم غزو كوبا، والتخلص من الصواريخ الأمريكية في تركيا.

وقد أربك تحالف فيدل كاسترو مع خروشوف الولايات المتحدة التي قطعت هافانا علاقاتها الدبلوماسية معها عام 1961 بعد عملية خليج الخنازير الفاشلة، كما أمم عددا من الشركات الأمريكية التي بلغ مجموع أرصدتها ما يقرب من مليار دولار في ذلك الوقت.

وقد أصبح فيدل كاسترو أحد النجوم اللامعة في عصر الحرب الباردة. ففي عام 1975، أرسلت الثورة الكوبية 15 ألف جندي إلى أنغولا لمساعدة القوات الأنغولية المدعومة من السوفييت. كما أرسلت في عام 1977 قوات أخرى إلى إثيوبيا لدعم نظام الرئيس الماركسي مانغستو هيلا مريام.

وقد أثر انهيار المعسكر الاشتراكي عام 1991 كثيرا على الأوضاع في كوبا، وخاصة الجانب الاقتصادي منها. إلا أن بعض المحللين يرون أن كوبا تمكنت من التقليل من آثار خسارة أهم حلفائها.

وقد ظل فيدل كاسترو يلقي باللوم على واشنطن ويحملها مسؤولية المصاعب الاقتصادية التي تواجهها بلاده، وذلك بسبب الحصار الاقتصادي الذي تفرضه واشنطن على كوبا منذ اكثر من نصف قرن من الزمن.

فعلى الرغم من أنه قاد عام 1959 ثورة أدخلت كوبا رسميا في فلك الشيوعية، فقد التقى فيدل كاسترو البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عندما زار كوبا عام 1998، كما التقى أيضا البابا بنيديكتوس السادس عشر والبابا فرانسيس.

كما واجه فيدل كاسترو على مرِّ 50 عاما الولايات المتحدة، إذ وقف في وجه الحصار الاقتصادي الذي فرضته واشنطن على بلاده، واستمر نظامه حتى بعد سقوط الأنظمة الشيوعية في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية.

ففي شهر يونيو/حزيران عام 2008، انتقد فيدل كاسترو ما وصفه بـ "النفاق الكبير" وراء قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات الدبلوماسية المفروضة على كوبا ومطالبة الحكومة الكوبية بتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان.

أن الثورة الكوبية التي قادها فيدل كاسترو تعتبر مثالاً لجميع دول العالم الثالث لتحذو حذو كوبا في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية ومواجهة العولمة ومن أجل الحصول على الاستقلال الكامل . فاستطاعت كوبا الحصول على استقلالها بالاعتماد على الشعب الكوبي وحده الذي أمدّ هذه الثورة بجميع الإمكانيات المادية من أجل نيل الاستقلال ، فلم تُقدِم أية دولة على تقديم المساعدات العسكرية أو المادية للثورة الكوبية قبل انتصارها ، وهي اليوم تعتبر مثالاً نظراً لأنها لا تسمح للتدخل الأجنبي أكان سياسياًّ أم اقتصادي في شؤون كوبا الداخلية .

وبالرغم من الأزمات التي تعرضت لها كوبا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق المموّل الرئيسي لاقتصاديات بلدان العالم الثالث ، ولكنها استطاعت تخطي الأزمة والمحافظة على استقلالها.

حققت الثورة الكوبية إنجازات مهمة على الصعيد الاجتماعي ، فقد عمدت إلى مكافحة الأمية وقامت بإنشاء مدارس وجامعات وفرضت إلزامية التعليم ، كذلك قامت بتقديم الخدمات الطبية ، ولم يعد هناك تمييز بين مختلف فئات الشعب ، وانتشرت حرية التعبير وحرية ممارسة الشعائر الدينية ، كذلك قامت ببناء المساكن الشعبية ، وكانت الدولة تقدم هذه الخدمات كلها دون أي مقابل .

بعد تنظيم الثورة في كوبا قامت الحكومة الكوبية بقيادة فيدل كاسترو بتقديم المساعدات لدول العالم الثالث فأرسلت بعثات طبية إلى هذه البلدان بالإضافة إلى المنح الدراسية المجانية التي قدمتها إلى شعوب العالم الثالث ، كذلك قامت كوبا بنصرة الدول المظلومة والوقوف بجانبها ومساعدتها عندما قامت قوات جنوب إفريقيا باحتلال ناميبيا طلبت الأخيرة مساعدة كوبا فأرسلت كوبا قواتها لمساندة ناميبيا واستطاعت تحريرها وقد استُشهد 2500 كوبي في هذا المعركة .

الثورة الكوبية منذ انطلاقتها كانت ثورة فكريـة شملت كل المياديــن، قوتها و نجاحها كان بسبب الجهود الجبارة التي اعتمدتها قيادتها، فلم تعتمد على القوة لكســر كلمة المعارضيـن، و لم تلمع صورتهـا بتبييض أموال الشعب و شراء ذمم و لوبيــات كي تقوم بهذا العمل.

ثورة الأول من يناير/ كانون الثاني، ثورة فيدل كاسترو اعتمدت على العلم و القلم، فبنت المدارس و شيدت الجامعات، و كونت الأساتذة و المعلميــن و كونت الإطارات في كل التخصصات، رغم الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الخانق المفروض منذ اكثر من نصف قرن من الزمن من طرف أقوى امبراطورية عرفها تاريخ البشرية، على الرغم من ذلك نجحت الثورة في كل المجالات.


 



التعليق


أترك تعليقا
الجميع مطلوبة
لم يتم نشره
captcha challenge
up