تدخل واشنطن في الشئون الداخلية لفنزويلا

بقلم: عبدالرقيب احمد قاسم عكارس
2017-04-15 14:29:30

Pinterest
Telegram
Linkedin
WhatsApp

 

عانت فنزويلا كثيرًا من المحاولات الأمريكية المستمرة للتدخل في شئونها وفرض هيمنتها الاقتصادية والسياسية عليها، إضافة إلى تجسس واشنطن على أمن كراكاس والوقوف وراء الأحداث ومحاولات الانقلاب منذ سنوات طويلة وخصوصا منذ عام 2002، كما أن غطرسة الولايات المتحدة الأمريكية واعتبار دول أمريكا الجنوبية حديقة خلفية لها يبعد التفاهم بين البلدين.

تشكل فنزويلا مصلحة أمنية قومية للولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها رابع أكبر مُصدّر للنفط في العالم، ولامتلاكها احتياطياً كبيراً وكميات تجارية لم تُستَخرج بعد. كانت الولايات المتحدة تأمل من خلال هيمنتها على فنزويلا أن تكون المستفيد الأكبر من هذه الثروة النفطية خصوصاً إذا ما تمت خصخصة قطاع النفط الفنزويلي. كل ذلك تغير في عام 1998 بعد نجاح حزب حركة الجمهورية الخامسة في الانتخابات الرئاسية والذي أسسه هوغو تشافيز عام 1994 بعد خروجه من السجن الذي أودع فيه نتيجة محاولته الانقلابية العسكرية التي لم تكلل بالنجاح على حكومة اليميني الليبرالي أندريس بيريز عام 1992.

لم تتوان الولايات المتحدة الأمريكية عن استخدام الدسائس مع دول أمريكا اللاتينية؛ لتتدخل في شؤون هذه الدول، بشكل واضح،  بهدف إلجام السياسيات المناوئة لها.

وتنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى أمريكا اللاتينية باعتبارها ساحة للاستثمارات الأمريكية؛ لذلك حرصت على تكريس نمط التبعية الاقتصادية لها.

ويرى خبراء في شؤون أمريكا اللاتينية، أن الظرفية الاقتصادية الإيجابية، التي طبعت مطلع الألفية الثالثة في أمريكا اللاتينية، ساهمت في تزايد عدد الحكومات اليسارية، وظهور قوى فاعلة قاريًا وعالميًا، إلى جانب ظهور التحرر من الغطاء الأمريكي على مستوى اتخاذ قرارات السياسة الخارجية في المنطقة. هذه العوامل مجتمعة لا تخدم مصالح الزعامة العالمية الأمريكية،  فواشنطن تتدخل في مناطق عدة من العالم لمواجهة مثل هذه العوامل في منطقة تشكل امتدادًا جغرافيًا حيويًا لزعامتهًا.

تحركات فنزويلا والبرازيل، شكلت نموذجًا للتغيرات الجيوسياسية، التي لا تتناسب مع المصالح الاستراتيجية لواشنطن. ذلك أن تزايد نفوذ فنزويلا في أمريكا اللاتينية، سهل تأسيس محور اشتراكي معاد للولايات المتحدة، إذ تمكن القائد الفنزويلي الراحل هوغو شافيز من إنشاء التحالف البوليفاري لشعوب القارة الأمريكية (البا).

كما أن البرازيل أصبحت من القوى الصاعدة ضمن مجموعة (البريكس)، وتنادي بنظام عالمي متعدد الأقطاب خلال حكومة الرئيس لولا دا سيلفا اولا، ثم حكومة الرئيسة ديلما روسيف، كما كانت تطالب بمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. وبفضل الدبلوماسية النشطة للرئيس السابق لولا داسيلفا، تمت تقوية علاقات التعاون جنوب – جنوب، من خلال تنظيم قمم أمريكا الجنوبية – العالم العربي، وأمريكا الجنوبية - إفريقيا، وهما مبادرتان حاولت واشنطن احتواءهما منذ انطلاقهما، خوفًا من تحولهما إلى محورين لتغذية النزعة المناهضة لها.

محاولات واشنطن لتغيير نظام هوغو تشافيز في كراكاس، كانت واضحة ولا شك فيها. والتدهور الحالي لاقتصاد فنزويلا بسبب تراجع أسعار النفط، شكلا فرصة جديدة أمام واشنطن لإعلان مباركتها للمعارضة، كبديل سياسي في فنزويلا.

الخيوط الظاهرة للانقلاب المؤسساتي على رئيسة البرازيل ديلما روسيف، تؤكد أن واشنطن لن تسمح لأية دولة منفردة بالسيطرة على مجال جيوسياسي، يمكن أن يشكل تهديدًا لمصالحها الاستراتيجية، كما أن تغيير الحكومات اليسارية والتقدمية بأخرى يمينية في أمريكا اللاتينية سيعيد الاستقرار إلى موازين القوى في المنطقة وفقا للبيت الأبيض.

تمثل العلاقات الفنزويلية الأمريكية منذ عام 1999 وحتى الوقت الراهن نموذجاً فريداً، حيث تسعى كلتاهما إلى حفز جهودهما، لتغيير أو تعديل مسار هذه العلاقات . ولكن نظراً لتباين الأهداف والسياسات والرؤى والتوجهات السياسية والأيديولوجية الخاصة بهما، لم تجد الدولتان مفراً من الحفاظ على حد أدنى أو مستوى مقبول منهما لاستمرارية هذه العلاقات على المسارين السياسي والاقتصادي ويحول دون الصراع بينهما، وذلك منذ فترة حكم الرئيس الراحل هوغو تشافيز إلى إدارة نيكولاس مادورو الرئيس المنتخب لفنزويلا منذ منتصف أبريل/نيسان 2013 .

علاقة الولايات المتحدة مع فنزويلا تصادمية، ولم تكن في يوم من الأيام علاقة جيدة مبنية على حسن الجوار، إلا أن التوتر تصاعد بين البلدين بشكل لافت عقب رفض واشنطن الاعتراف بانتخاب نيكولاس مادورو رئيسًا لفنزويلا، واتهام هذا الأخير لأمريكا بدعم معارضيه والوقوف وراء التظاهرات والسعي إلى الإطاحة به، وصولاً إلى التخطيط لاغتياله، كما اتهم واشنطن بالتسبب في إصابة الراحل هوغو تشافيز بمرض السرطان.

نجح هوغو تشافيز في بناء علاقات سياسية واقتصادية تبادلية مكثفة لفنزويلا مع عدة دول متباعدة جغرافياً وتنتمي إلى نظم إقليمية مختلفة، في ما يعرف بتعاون الإقليمية الجديدة، ونجح في بناء علاقات مع روسيا والصين، الأولى بسبب طاقتها الإنتاجية البترولية المهمة، والثانية بسبب كونها مستهلكاً كبيراً محتملاً لصادرات فنزويلا من الطاقة، وبعيداً عن الطاقة، فإن الدولتين شريكتان أساسيتان لفنزويلا في سياستها الخارجية البوليفارية، لأنهما تمثلان مصادر بديلة للتكنولوجيا والعتاد العسكري، وفي ذات الوقت فإن قراراتهما بالتعاون مع فنزويلا من غير المحتمل أن تخضع أو تتأثر بالاعتراضات الأمريكية .

وفي الداخل، تمكن تشافيز منذ انتخابه رئيساً للبلاد في عام 1999 وحتى وفاته في مارس/آذار 2013 من تحقيق الاستقرار الداخلي في البلاد اعتماداً على شخصيته الكاريزمية وقيادته الثورية، خاصة بين عامة المواطنين والفقراء في فنزويلا، علاوة على نجاحه في تمتين علاقاته مع قيادات المؤسسة العسكرية وأجهزة الشرطة، مما مكنه من استعادة مقعده في الرئاسة عندما قامت مجموعة من صغار ضباط الجيش بالانقلاب عليه في أوائل عام 2003 إضافة إلى طرحه برامج وسياسات داخلية وخارجية تتسم بالطموح الشديد في تجاوز الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الداخلية، وذلك في الانتخابات الرئاسية والمحلية كافة في فنزويلا التي جرت في هذه الفترة، مما مكنه وحزبه البوليفاري الثوري من تحقيق نسب فوز بهذه الانتخابات تراوحت بين 70 و80 بالمائة من إجمالي أصوات الناخبين .

جاء صعود نيكولاس مادورو في الحياة السياسية الفنزويلية عقب اختيار الرئيس الراحل تشافيز له لتولي مهام وزارة الخارجية في عام 2010 وعقب انتقال تشافيز خارج البلاد للعلاج من مرض السرطان، كلف الأخير مادورو بتولي منصب نائب الرئيس وإدارة شؤون الدولة لحين عودته من رحلته العلاجية التي انتهت بوفاته في أوائل مارس/آذار، ونظراً لتضاؤل فرص الفوز بمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية، قرر نيكولاس مادورو عدم التخلي عن مقاليد الحكم أثناء ترشحه لخوض تلك الانتخابات، وهو ما اعتبره خصومه ومنافسوه السياسيون سابقة محلية عالمية في ذات الوقت، علاوة على تعجيله إجراء الانتخابات الرئاسية في منتصف أبريل/نيسان 2013 وقبل مرور شهر على وفاة تشافيز .

إن الموقف الأمريكي يعد استثناءا خطيرا لمبدأ عدم التدخل، ولا يقوم على أية أسس شرعية، ذلك لتعارضه الصريح مع مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحقها في اختيار النظام السياسي والاجتماعي الذي ترضاه ويتنافى مع حق هذه الشعوب في السيادة على ثرواتها الطبيعية، والاستفادة من خبراتها لصالح التنمية والتطور.

هذه الحقوق التي أكدتها مواثيق عديدة أهمها ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها وميثاق حقوق وواجبات الدول الاقتصادية 1974، وكذا قرارات مؤتمرات حركة عدم الانحياز والمنظمات الدولية الأخرى.

 

 



التعليق


أترك تعليقا
الجميع مطلوبة
لم يتم نشره
captcha challenge
up