ماذا يفيد المجتمع إذا ربح الأموال وخسر الإنسان؟

بقلم: عبدالرقيب احمد قاسم عكارس
2017-10-09 12:20:47

Pinterest
Telegram
Linkedin
WhatsApp

 

هذه العبارة هي احد أقوال ارنستو تشيه غيفار النموذج الأخلاقي والإنساني والثوري والفني الرائع التي تخص كل طفل وشاب، والقائد الثائر هو بين معظم الأجيال وفي كل العالم.

بعد خمسين عاماً على استشهاده، ما زال التشيه غيفارا ملهماً للملايين حول العالم. ولكن الكثير تغيّر منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الاول من عام 1967. رحل كثيرون الأبطال الثوريين والتقدميين، لكن صورة الثائر الأرجنتيني - الكوبي وحدها لم تتغيّر.

غالباً ما تقاس المسافة الزمنية بين تاريخين بالسنوات العادية. ولكنّ المسافة الفاصلة بين زمن تشيه غيفارا وزمننا تقاس بالسنوات الضوئية.

ان الذكرى ال 50 لاستشهاد التشيه على أيدي عملاء الاستخبارات المركزية الأميركية، ربما تحتمل أن يُنظر إليها اليوم انطلاقاً من كونها محطة لاستعادة بانورامية لما آلت إليه تجارب النضال ضد الإمبريالية.

ليس الأمر، بطبيعة الحال، مرتبطاً بعملية القتل القذرة التي ارتكبت بحق التشيه، ولا في فقدان حركة التحرّر الوطني الشامل لمثلها الأممي الأعلى، بل في ما شهدته حركة التحرّر نفسها من تحوّلات، جعلت الجريمة مزدوجة.

في سانتا كلارا، المدينة الكوبية التي اتخذت من ذلك الشاب الأرجنتيني ابناً لها بالتبنّي، كان حضور الرئيس الكوبي راؤول كاسترو بمثابة إشارة انطلاق لنائبه ميغيل دياز - كانيل، لتجديد الموقف من الإمبريالية التي تزرع اليوم الاضطرابات في فنزويلا وعدد كبير من الدول التقدمية.

وعلى مسمع من عشرات الآلاف، في سانتا كلارا، توجّه دياز - كانيل إلى دونالد ترامب بالقول:

" نشارك اليوم مع مشاعر عميقة في هذا المكان المقدس للوطن وذلك لتكريم للذين لعبوا دورا فعالا في واحدة من الملاحم الأممية وذات أهمية كبرى ومثالا في تاريخ الكفاح من اجل تحرير الشعوب الخاضعة لهيمنة الإمبريالية".

وأضاف، إن كوبا لن تتفاوض على مبادئها، وترفض الخضوع للابتزاز، في ردّ مباشر على تأكيد الرئيس الأميركي، أنّه لن يرفع أيّاً من العقوبات على الجزيرة الكاريبية، طالما لم تحلّ «الحريّة السياسية التامة.

وأمّا بوليفيا، التي ثأر شعبها الـتشيه قبل 12 عاماً، بانتخابه يسارياً قادماً من مآسي السكان الأصليين لرئاسة هذا البلد الذي تفرّق فيه دم غيفارا بين عملاء الإمبريالية، فقامت في إحياء الذكرى الخمسين، على نحو يتجاوز رمزية الاحتفال في سانتا كلارا نفسها.

ولكنّ إيفو موراليس استبق فعاليات الذكرى بتوجيه اتهام جديد للاستخبارات الأميركية باضطهاد وتعذيب واغتيال غيفارا، مع نهاية الأشهر الأحد عشر للحركة الثورية التي قادها في بوليفيا، وذلك في تدوينة مقتضبة تعيد التذكير بأنّ التفاصيل المرتبطة بالجريمة القذرة لم تكتب كلّها بعد. ولعلّ ما كتبه الرئيس البوليفي، الذي يتشارك مع التشيه جيفارا الكثير من القواسم الثورية.


قاد غيفارا قوة مكونة من اثني عشر مقاتلاً ما لبثت أن نمت إلى خمسين، أطلق عليها اسم "جيش التحرير الوطني" وبدأ غيفارا يواجه الفشل الجديد في بوليفيا، وكانت حساباته أنه سيواجه جيش النظام في بوليفيا، لأنه جيش سيء التدريب ولا عقيدة قتالية له، ولكنه فوجئ بأن الولايات المتحدة، كانت قد أرسلت وحدات من القوات الخاصة الأميركية لمساندة الحكم في بوليفيا، وكان غيفارا ينتظر المساعدات العسكرية وتعاون " المنشقين " عن الجيش النظامي البوليفي، ومن المعارضة البوليفية التي وصفها في" يوميات بوليفيا" بأنها تتصف بـ "انعدام في الثقة، وخائنة وغبية"، انقطعت الاتصالات بينه وبين كاسترو، ويرجع بعض المحللين إلى أن هزيمة غيفارا كانت بسبب ميله إلى المواجهة بدلا من التوصل لحل وسط، لا سيما وأنه قد قبل به يوماً ما في حربه مع باتيستا في كوبا، ولكنه هذه المرة لم يقبل طيلة أحد عشر شهراً هي فترة قتاله في غابات وجبال بوليفيا، وقد كتب في إحدى صفحات تلك المذكرات" الفلاحون لا يقدمون لنا أية مساعدة ويتحولون إلى مخبرين علينا!".
وفي يوم السابع من أكتوبر / تشرين الأول من العام 1967، أوصل أولئك المخبرون إحداثيات موقع غيفارا إلى المخابرات الأميركية، التي سارعت بإرسال وحدات بوليفية لمحاصرة المكان، واندلعت معركة سريعة أصيب فيها غيفارا، ووقع في الأسر، بعد أن تعطبت بندقيته ولم تعد تعمل، وحينها صاح بأعلى صوته: "لا تطلقوا النار.. أنا تشي غيفارا، وأساوى حياً أكثر منّي ميتا".
قيّدوا معصميه، وحبسوه في مدرسة قديمة، وبقي يرفض الإجابة على أسئلة المحققين، ثم أطلق أحدهم الرصاص على رجليه ولكنه كما وصف هؤلاء أنفسهم " قام برفع رأسه عاليا ونظر للجميع مباشرة ولم يسأل عن شيء إلا السيجار"، فقاموا بإعطائـــه حقيبة تبغ، كانوا يعرفون من هو، ولذلك بدأوا بمحاولــــة أخذ تذكارات من ممتلكاته البسيطة، ولكنه قاومهم، حين حاول أحد الضابط انتزاع غليونه من فمه ليحتفظ به كتذكار.
وكما يفعل غيفارا عادة، فرغم أنه كان ينزف وفي وضع صحي سيء، إلا أنه طلب مقابلة "معلّمة" القرية جوليا كورتيز التي روت فيما بعد أنها قابلت " رجلاً مظهره مقبول ولديه نظرة بسيطة ولمحة من السخرية " وكانت وهي تحدّثه غير قادرة على النظر في عينيه مباشرة لأن النظرة كانت لا تطاق، خارقة وهادئة، خلال مقابلتها له اشتكى غيفارا لكورتيز من الحالة السيئة للمدرسة (التي كان مأسوراً فيها في تلك اللحظة) وقال إنها لا تصلح للتربية ومن غير المتوقع أن الطلاب الفقراء يتعلمون هنا في حين أن "المسؤولين الحكوميين يحصلون على سيارات مرسيدس".
وفي اليوم ذاته 9 أكتوبرـ تشرين الأول سنة 1967 جاء الأمر من الرئيس البوليفي رينيه باريينتوس أو ممن هو أكثر نفوذاً منه، بقتل غيفارا، وقبل لحظات من إطلاق النار عليه، سألوا غيفارا عما إذا كان يفكر في حياته والخلود فأجاب: "لا أنا أفكر في خلود الثورة" ثم تابع كلامه محدّثاً الجندي المكلّف بتنفيذ الإعدام:" أنا أعلم أنك جئت لقتلي أطلق النار يا جبان إنك لن تقتل سوى رجل" وبتسع رصاصات مات غيفارا.

لا شكّ في أن التاريخ سيكشف الكثير من الحقائق المرتبطة بجريمة قتل تشي غيفارا، وهو ما يشكّل تحدّياً للأكاديميين والمؤرخين. ولكن التحدّي الأهم يبقى على عاتق آخرين، ويتمثل في الحفاظ على وهج الرمز الثوري لـلتشيه بما يتجاوز مجرّد الحفاظ على الأيقونة، ليتعدّاه إلى تحقيق ما استشهد ارنستو تشه غيفارا من أجله، وهو الحرية لأميركا اللاتينية... والمضيّ دائماً نحو النصر.

وخلال حياته القصيرة، زار غيفارا عدة دول عربية في 1959، رغبة منه في إطلاق حركة ثورية دولية، بالإضافة إلى استغلالها في بيع السكر الذي تنتجه كوبا.

في 18 يونيو وصل غيفارا ببزيه العسكري برفقة عدد من الكوبيين إلى غزة، التي كانت تحت الحكم المصري آنذاك، وخلال زيارته قام بإرشاد مقاتلي المقاومة الفلسطينية إلى طرق حرب العصابات لاستخدامها في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

زيارة غيفارا لغزة استمرت 24 ساعة فقط، مر خلالها على مخيم الشاطئ للاجئين وعدد من مخيمات اللجوء الأخرى.

ومن غزة انطلق غيفارا والوفد المرافق له في رحلتهم إلى مصر، واستقبله الرئيس المصري حينها جمال عبد الناصر بقصر حدائق القبة، بالقاهرة.

ونظم حفل أهدى فيه عبد الناصر غيفارا وسام الجمهورية العربية المتحدة من الدرجة الأولى، وألقى بعدها على المصريين خطابا عن الثورة الكوبية، وعن المساواة الاجتماعية والثورة الصناعية.

وبعدما أنهى غيفارا زيارته إلى مصر، ذهب إلى العاصمة السورية دمشق حيث زار قبر صلاح الدين الأيوبي، والجامع الأموي عقب عقده عدة لقاءات دبلوماسية مع الرئيس السوري حينها شكري القوتلي.
كما زار تشيه غيفارا العاصمة السودانية الخرطوم وقد انتشرت صورة له خلال زيارته للخرطوم أثناء عقده مؤتمرا صحفيا بها برفقة عدد من الصحافيين.

وبعد ذلك بثلاث سنوات، حضر غيفارا مباراة كرة قدم بين المنتخبين المصري والجزائري بالعاصمة الجزائر وقد هتفت الجماهير الغفيرة التي حضرت المباراة باسمه.

 

 



التعليق


أترك تعليقا
الجميع مطلوبة
لم يتم نشره
captcha challenge
up