الولايات المتحدة والوسائل العظمى في أمريكا اللاتينية وراء زعزعة الاستقرار للحكومات التقدمية

بقلم: عبدالرقيب احمد قاسم عكارس
2016-06-10 13:21:25

Pinterest
Telegram
Linkedin
WhatsApp

لا تزال الولايات المتحدة وفي تعاون وثيق مع الاوليغارشية الأمريكية اللاتينية، تعمل ما تريده في أمريكا اللاتينية ومنطقة بحر الكاريبي، وحتى لا يكون هناك أي شكوك في إعلان الرئيس الأمريكي باراك اوباما لدى وصوله إلى الرئاسة عام 2009 عن تغيير للموقف تجاه المنطقة والذي بقى في الطريق. فالولايات المتحدة ما زالت تعتبر بلدان الجنوب الواقعة في القارة الأمريكية كالحديقة الخلفية.

وتقوم واشنطن بأعمال مختلفة سريا أو علنيا للمحاولات بالإطاحة بالحكومات التقدمية في المنطقة، المنتخبة ديمقراطيا في صناديق الاقتراع، وهي أعمال بدأت من تشجيع العنف وحتى الحملات الإعلامية، ووراء تلك الأعمال وكالة الاستخبارات المركزية.

التحولات السياسية ألتي تشهدها أمريكا اللاتينية في السنوات الأخيرة والتي تحركها الأحزاب والحركات اليمينية المدعومة من إعلام طبقة رجال الأعمال وجماعات المصالح، أو ما يسمى بالطبقة البرجوازية، والتي تدعو إلى إحداث تغيرات جذرية والتخلص من الحكومات التقدمية تجلت بشكل واضح في الفترة الأخيرة .

وقد حذر رئيس جمهورية الإكوادور رافائيل كورريا مؤخرا حول وجود خطة جديدة وهي عملية تسمى "كوندر" ضد أمريكا اللاتينية مثل تلك الخطة التي قامت بتصميمها وتنظيمها وتمويلها وكالة الاستخبارات المركزية في عقد السبعينات وهو مثال واضح لإرهاب الدولة.

واكد الرئيس الإكوادوري أن هذه العملية موجهة ضد الحكومات التقدمية . الولايات المتحدة أصبحت اليوم بغير الحاجة للديكتاتوريات العسكرية أو القضاة الفاسدين وفقط تستخدم الصحافة لزعزعة الاستقرار لحكومات أمريكا اللاتينية.

في فنزويلا، كانت عملية التحول إلى اليسار أكثر قوة خلال فترة حكومة الرئيس الراحل هوغو تشافيز، فالنخبة هناك لم تكف عن إثارة الأوضاع بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، وتوجت المؤامرة بانقلاب عام 2002، وألذي رفضه الشعب وأعادت تشافيز إلى الحكم بعد يومين فقط، اليوم ومع نيكولاس مادورو، تحتدم المعركة بشكل عنيف وبعض الانتصارات تتوالى لليمين بعد سيطرة كتلة المائدة المستديرة للتجمع ألديمقراطي على المجلس التشريعي بأغلبية كبيرة.

فقد اتهم رئيس جمهورية فنزويلا البوليفارية نيكولاس مادورو الولايات المتحدة بسعيها إلى القضاء على حكومات بعض دول أمريكا اللاتينية وتعميم نموذج التطور النيوليبرالي على القارة برمتها.

وأشار مادورو إلى "هجمات دائمة" تشنها واشنطن على الرئيس البوليفي، إيفو موراليس، الذي واجه حملة لتشويه نتائج الاستفتاء حول إدخال تعديلات على دستور البلاد تمكّن الرئيس ونائبه من إعادة انتخابهما لفترتين متتاليتين.

وفي السياق، أكد نيكولاس مادورو أن اليمينيين في أمريكا اللاتينية الذين يقفون إلى جانب الامبراطورية الأمريكية الشمالية لا يتمسكون بقواعد اللعب ويشكلون تهديدا للسيرورات التقدمية، وأن الولايات المتحدة التي تقود حربا قذرة على أمريكا اللاتينية، ترغب في حلول ليل نيوليبرالي مظلم وطويل فيها وفي دول البحر الكاريبي مجددا.

إن ما يحدث يتمثل في أن الطبقة الرأسمالية في أمريكا اللاتينية لا يمكن أن تتحمل أو تتخيل أن تخسر أي من جولات الصراع نحو السلطة ، وأفضل مثال لذلك كان في عام 2009 في هندوراس عندما قام مانويل زيلايا بالسعي لتحقيق بعض التعديلات الطفيفة ألتي تشمل الفقراء من خلال اتفاقيات مع فنزويلا، و قد تم أفشال تلك الأعمال من خلال انقلاب قضائي حينذاك، وأصدرت إدارة شئون التحقيقات في هندوراس أمر باعتقال الرئيس، زاعمة في ذلك بأنه كان من ألضروري حبس زيلايا لتجنب إخفائه وثائق ومستندات اعتبرتها النيابة العامة فى غاية الأهمية في قضية الرئيس، وتجنبا لفراره خارج البلاد.
ما حدث في هندوراس وتم تنفيذه هو الإطاحة بالرئيس زيلايا بسبب أنه أراد إن يعرف رأى الشعب في إقرار دستور جديد للبلاد ولاحقا حدثت انتخابات رئاسية جديدة بدون مشاركة من اليسار، رغم كونها غير شرعية فقد حظيت بموافقة المجتمع الدولي بأسره.

شهد عام 2012 انقلابا آخر جديدا على حكومة تقدمية في أمريكا اللاتينية، و لكن هذه المرة كان الدور على باراغواي ضد الرئيس فرناندو لوغو، والذي تقدم على استحياء للمناقشة مع المزارعين حول قوانين للإصلاح ألزراعي، فتم مقابلة مشروعة بالرفض، وواجه عنفا شديدا من اليمين في هذا البلد الأمريكي الجنوبي، الذي يرفض فقدان أي من الامتيازات ألتي حصل عليها عبر التاريخ و تم اتهامه لاحقا من قبل القضاء بأنه المسئول عن مجزرة حدثت للفلاحين، والجديد هو أن هذه العملية استغرقت أقل من 24 ساعة، فقد أعطت دائرة مجلس الشيوخ في باراغواي محامي الرئيس أقل من خمس ساعات للدفاع وتم إجراء تصويت سريع ومنظم بدون أي دليل على وجود أخطاء ارتكبها الرئيس، وكانت النتيجة عزل فرناندو لوغو، وتبع ذلك أنتخابات جديدة وعاد اليمين إلى السلطة، بدون أي مقاومة من اليسار.


اليوم، البرازيل تعيش قصة مماثلة، فبناء على اتهامات و مزاعم أدلى بها أشخاص وإقرارات منظمة بدون أدلة حقيقية و ملموسة، تسير في اتجاهين : الاتجاه الأول محاولة اليمين إدانة الرئيس السابق لولا دا سيلفا في قضايا فساد لإنهاء آماله في الترشح المحتمل لانتخابات 2018.

الاتجاه الآخر هو البرلمان، من خلال قبول طلب الإقالة وسحب الثقة من الرئيسة ديلما روسيف، وأيضا بناء على أتهامات سماعية من خلال شهود ، بالتواطؤ في عمليات فساد بدون أي دلائل، ومزاعم مكذوبة حول التلاعب فى الحسابات العامة للدولة ومخالفة قوانين الميزانية.
إن ما فعله حزب العمال من تطبيق لسياسات سمحت بدخول الفقراء إلي منظومة الاستهلاك والهروب من الجوع المزمن يعد خطوة مهمة للغاية، فقد تم تأهيل الملايين من طلاب المدارس العامة من الفقراء للدخول للجامعات، وتم إنشاء 13 جامعة جديدة، بالإضافي إلى برنامج منحة الأسرة، وبرامج العمل الكامل، والفقر صفر، والنور للجميع بالإضافة إلى سياسات الأمن ألغذائي والزراعة الأسرية، والمطاعم الشعبية وبرنامج ألإسكان الاجتماعي ومنح الثقافة والرياضة للجميع، والعديد من البرامج الأخرى والسياسات ألتي على الرغم من استخدامها جزءا ضئيلا جدا من إجمالي الناتج المحلي إلا أنها أوجدت فرقا في مستوى معيشة الملايين من البرازيليين.

كل هذا ساعد على سهولة حشد المواطنين في المظاهرات من جانب اليسار وألتي أظهرت و أثبتت للقائمين على عزل روسيف أنه على الرغم من وقوف القضاء والبرلمان بجانبهم إلا أنه لا يزال هناك أغلبية شعبية استفادت من حكومات حزب العمال مكتسبات اجتماعية لأول مرة في التاريخ وبالتالي هي على استعداد للوقوف ضد عزل روسيف ، فخلال التعبئة الأولى لليمين كانت هناك حالة من الابتهاج، فليس من الشائع في البرازيل أن تقوم طبقة النخبة الثرية بالنزول إلى الشوارع في مظاهرات، ولكن كان هناك عدد أكبر من المؤيدين لروسيف وحزب العمال .

والحقيقة أن وسائل الأعلام التي يملكها اليمين المتطرف هي واحدة من اللاعبين الرئيسيين في هذه الخطة الوحشية لزعزعة الاستقرار في أمريكا اللاتينية ومنطقة بحر الكاريبي. ووفقا للخبراء فان استراتيجية وسائل الإعلام السياسية التي تطبقها الاوليغارشية ضد حكومات تقدمية مثل البرازيل وفنزويلا والأرجنتين وبوليفيا والإكوادور هي بدعم مالي من قبل حكومة واشنطن.

وفي الساعات الأخيرة، اكد وزير الاتصالات الإكوادوري باتريسيو بارريجا، أن صحفيين من بلاده ينتمون للمعارضة، ينفذون أعمال زعزعة الاستقرار في هذا البلد الواقع في أمريكا الجنوبية وبأمر من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. ووفقا لما قاله المسئول الإكوادوري فان هؤلاء الصحفيين يختبئون وراء ما تسمى بحرية التعبير لزرع التضليل والدفاع عن مصالح سياسية لليمين في القارة الأمريكية.

ووفقا لما اكده خبراء، فان وكالة الولايات المتحدة للصندوق الوطني للديمقراطية تقوم بالدعم الاقتصادي الكامل ل 10 من أحزاب اليمين والتي تطبق أوامر السفارات الأمريكية في المنطقة وتشكل جزء من شبكة وسائل الإعلام في الأنترنيت والتي تهدف الى استمرار والحفاظ على حملة التشويه ضد الحكومات التقدمية في امريكا اللاتينية.

وكشف بحث قامت به مؤخرا شبكة التلفزيون الفنزويلية (تيليسور) عن إن بعض الصحفيين قد اظهروا علنا العلاقة مع وكالة الاستخبارات المركزية للولايات المتحدة.

وتعمل وسائل الإعلام التابعة لليمين في المنطقة تاريخيا بسرعة لخلق الشكوك في ألرأي العام وبالتالي توجيهه لصالح المصالح التي تدافع عنها. والآن تقوم بالعمل في الشبكات الاجتماعية وفي عدد كبير من المواقع في الأنترنيت وبعضها بتمويل من الولايات المتحدة.

فموقف وسائل الإعلام العظمى واضحا جدا والتي يصفها الكثير كقوة سياسية معارضة وتحاول بأي وسيلة استعادة الليبرالية الجديدة في أمريكا اللاتينية.

 

 

 



التعليق


أترك تعليقا
الجميع مطلوبة
لم يتم نشره
captcha challenge
up