كوبا تدين الإرهاب والتلاعب السياسي بيان من وزارة الخارجية

بقلم: عبدالرقيب احمد قاسم عكارس
2020-06-02 15:18:30

Pinterest
Telegram
Linkedin
WhatsApp

تعرب وزارة العلاقات الخارجية الكوبية عن إدانتها شديدة اللهجة لإدراج جمهورية كوبا افتراءً ضمن قائمةٍ أعدّتها وزارة الخارجيّة الأمريكية لبلدان تزعم بأنها لا تتعاون بشكل كامل مع الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب نُشرت في الثالث عشر من مايو 2020، و تم رفضها بشدة من قبل الرئيس ميغيل دياز كانيل بيرموديز.

يتعلّق الأمر بقائمة أحاديّة الجانب وتعسّفية لا تستند إلى أي أساس أو سلطة أو دعم دولي، وهي لا تخدم، كما هو معروف، إلا أهداف التشهير والقهر بحق بلدان ترفض الخضوع في قراراتها السياديّة لإرادة حكومة الولايات المتحدة.

الحجة الرئيسية التي استخدمتها حكومة الولايات المتحدة هي تواجد أعضاء من وفد السلام التابع لجيش التحرير الوطني الكولومبي في الأراضي الوطنية الكوبية.

كما هو معروف على نطاق واسع، يتواجد وفد السلام التابع لجيش التحرير الوطني الكولومبي في بلدنا جرّاء تخلي الإكوادور فجأة عن دورها كمقّر لمفاوضات عملية إحلال السلام، فتم نقله بطلب من الحكومة الكولومبية و "جيش التحرير الوطني" إلى هافانا في شهر مايو من عام 2018.

كان هذا الحوار من أجل تحقيق السلام قد بدأ في السابع من فبراير 2017 في كيتو. وقامت كوبا، إلى جانب كل من البرازيل وتشيلي وإكوادور وفنزويلا والنرويج، بدور كضامن لعملية السلام، وذلك بطلب من الطرفين.

منذ وصول السيّد إيفان دوكي مارتينيز إلى الرئاسة في كولومبيا، في السابع من أغسطس 2018، عقد ممثلون عن هذه الحكومة، منذ الثامن من أغسطس من تلك السنة وحتى شهر يناير 2019، عدة لقاءات للتبادل مع كوبا ومع وفد السلام التابع لجيش التحرير الوطني بغية مواصلة سلسلة المفاوضات التي كانت قد بدأت في عهد الرئيس سانتوس، وهي عمليّة تصرّف خلالها بلدنا بالتكتّم الواجب والالتزام الصارم بدوره كضامن.

عندما وقع الهجوم الذي استهدف مدرسة ضباط الشرطة في بوغوتا في السابع عشر من يناير 2019، أعرب كل من رئيس جمهورية كوبا ووزيرها للعلاقات الخارجية عن تعازيهما ومواساتهما للحكومة والشعب الكولومبيين، وخصوصاً لذوي ضحايا الهجوم، وجددا التأكيد على موقف بلدنا الثابت في شجب وإدانة كل الأعمال والأساليب والممارسات الإرهابية بكل أشكالها ومظاهرها و اتخذت الحكومة الكولومبية آنذاك إجراءات سياسية وقانونية ضد وفد السلام التابع لجيش التحرير الوطني الذي كان متواجداً في الأراضي الكوبية وأوقفت مفاوضات السلام. بالإضافة لذلك، قررت تجاهل "بروتوكول الإلغاء"، وذلك في تخلٍّ وهدرٍ للالتزامات المطلوبة من قبل تلك الدولة تجاه ستة بلدان أخرى موقّعة على ذلك البروتوكول.

تم توقيع "بروتوكول الإلغاء" في إطار مفاوضات السلام من قبل الحكومة الكولومبية وجيش التحرير الوطني والبلدان الضامنة في الخامس من أبريل 2016. وينص ذلك البروتوكول على العودة الآمنة لوفد الثوار الكولومبيين في حال انقطاع الحوار.

وأكدت الحكومة الكوبية بأن ما يحتمه الواجب، وفقاً للوثائق المتفق عليها، هو تطبيق البروتوكول. وهذا الموقف، الذي يحظى بالدعم الواسع من قبل المجتمع الدولي والقطاعات المُلتزمة بالبحث عن حلّ سلمي للنزاع العسكري الكولومبي، هو ممارسة دوليّة معروفة ومُصادق عليها تكراراً لكونها تتقيّد بالقانون الدولي وبالتزامات البلد الضامن ومقر المفاوضات. عدم تطبيق هذا البروتوكول هو سبب بقاء أعضاء وفد مفاوضات جيش التحرير الوطني في بلدنا.

لقد ضلعت الحكومة الكولومبية في سلسلة من التحركات المعادية لكوبا تشمل تصريحات علنيّة وتهديدات وإنذارات من خلال التلاعب، الجاحد وذي الدوافع السياسية، في ما يتعلق بإسهامنا الذي لا غُبار عليه في عملية إحلال السلام بكولومبيا. بين تحركات أخرى، يأتي تغيّر الموقف التاريخي لكولومبيا المؤيّد للقرار الذي تعتمده الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة سنوياً للمطالبة بإنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الأمريكي الذي يتسبب بأضرار ومعاناة للشعب الكوبي. لقد غيّر هذا التحرّك بشكل جليّ الموقف الصلب والثابت الذي اتّبعته الحكومات الكولومبية منذ عام 1992.

في ذات اليوم الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة إدراج كوبا ضمن قائمة البلدان التي يُزعم بأنها لا تتعاون بشكل كامل مع الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب، صرّح المفوّض السّامي للسلام للحكومة الكولومبية، السيّد ميغيل سيبايوس أريبالو، علناً بأن قرار وزارة الخارجية الأمريكية بإدراج كوبا هو "دعم هائل" للحكومة الكولومبية و"لطلبها المُلحّ" في أن تسلّمها كوبا أعضاء وفد السلام التابع لجيش التحرير الوطني.

تصريحات السيد سيبايوس وجدت انتقادات في كولومبيا من قبل قطاعات واسعة ملتزمة بالسلام، وقد طالب العديد من السياسيين الكولومبيين حكومتهم بتفسير لها ولتجاهلها لـ "بروتوكول الإلغاء".

تدين وزارة العلاقات الخارجية بشدة تصريحات المسؤول الكولومبي رفيع المستوى.

ما يُفهم من تعليقات المفوّض السامي للسلام هو أن سلوك كولومبيا قد خدم ووفَّر الذرائع لأهداف الولايات المتحدة العدوانية تجاه بلدنا وأنه قد قدّم "دعماً هائلاً" للافتراءات الأمريكية على احدى بلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي.

تواجد ممثلي جيش التحرير الوطني في أراضينا، الذي يستند إليه الاتهام الأمريكي، ليس أكثر من ذريعة واهية وقليلة الحياء، لا معنى لها ووفّرها موقف حكومة كولومبيا الجاحدة، هذا إذا كان في تصريحات السيد سيبايوس ما يُمكن تصديقه.

على كل حال، وحتى إن صحت هذه المساعدة المزعومة من قبل حكومة كولومبيا، فإن اتهام الولايات المتحدة لا يقوم على أي أساس من الصحة. هناك أدلّة ملموسة، بعضها حديث العهد، على تعاوننا الثنائي مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب وفي الجهود المشتركة لتطبيق القانون، وذلك في تحركات تحظى باهتمام خاص لدى هذا البلد، مما يجعل التصنيف المُعلَن من قبل وزارة الخارجية الأمريكية فعلاً مقصوداً يستهدف تشويه الحقيقة.

تجدر الإشارة إلى أن كوبا هي بلد ذهب ويذهب ضحية العديد من الأعمال الإرهابية المنظَّمة والمموَّلة والمنفَّذة انطلاقاً من أراضي الولايات المتحدة من قبل جماعات وأفراد استمتعوا هناك بتسامح الحكومة وحمايتها، وهي حقيقة يعرفها الجميع. وذهبت ضحية أيضاً، في الماضي، لإرهاب الدولة الذي مارسته حكومة الولايات المتحدة مباشرة، حيث تصرّفت أحياناً بالتواطؤ مع الجريمة المنظَّمة في ذلك البلد. جرّاء أعمال من هذا النوع، قُتل ثلاثة آلاف و478 كوبي بينما يعاني ألفان و99 من نوع ما من الإعاقة.

في الثلاثين من أبريل الماضي تعرضت سفارتنا لدى الولايات المتحدة لاعتداء إرهابي. ما زالت حكومة الولايات المتحدة مذاك تُطبق صمتاً تواطئيّاً، من دون أن تدين هذا العمل أو تندِّد به، وتمتنع عن اتخاذ إجراءات بحق أشخاص وجماعات إرهابية مقيمة على الأراضي الأمريكية من حيث تحضّ على العنف ضد كوبا ومؤسساتها.

كمحصّلة لذلك، وعلى أثر الاستهداف الإرهابي لبعثتنا الدبلوماسيّة لدى واشنطن، أُطلقت عدة تهديدات لسلامة الدبلوماسيين والسفارات الكوبية في الولايات المتحدة نفسها وايضا  في المكسيك وكوستاريكا وأنتيغوا وباربودا وكندا وقبرص والنمسا وأنغولا، تم إطلاع حكومة كل واحد من هذه البلدان عليها.

إن موقف حكومة الولايات المتحدة الواضح في تواطؤه يقود إلى خطر تفسيره كتبييض للإرهاب. ويتلاقى ذلك مع تصعيد سياسة العدوان والحضّ على العنف ضد كوبا، والتي تم نقلها إلى بلدان يعمل فيها طاقم كوبي في مجال الصحة ضمن برامج للتعاون الثنائي.

إن التزام كوبا بالتحرك بصرامة وإدانة الإرهاب وارد في الدستور. إنه التزام مطلق وقاطع ضد أي من أشكاله ومظاهره، لا سيّما إرهاب الدولة، وهو مدعوم بالتشريع اللازم. هناك ما يكفي من الأسباب التي تدفع للشك بقدرة حكومة الولايات المتحدة على إصدار تأكيد على هذا المستوى من القطعية في ما يتعلّق بموقفها من الإرهاب.

حافظت كوبا بصورة ثابتة على دعمها للسلام في كولومبيا وشرعت بالعمل انطلاقاً من دورها كضامن على تطبيق اتفاق السلام المبرم بين الحكومة الكولومبية و"القوات المسلحة الثورية الكولومبية - جيش الشعب" (فارك)، رغم أن الحكومة الكولومبية لم تكفل حماية ذلك الاتفاق ولم تضمن تطبيقه الصارم.

تطلب وزارة العلاقات الخارجية من حكومة كولومبيا معرفة موقفها من الضامنين في عملية السلام الكولومبية، لا سيّما من كوبا. وأنها بحاجة لمعرفة موقف الحكومة من تطبيق اتفاق السلام المبرم بين الحكومة الكولومبية و"القوات المسلحة الثورية الكولومبية - جيش الشعب" (فارك).

تدعو وزارة العلاقات الخارجية حكومة كولومبيا إلى إعلان موقفها الرسمي حول أسباب إدراج كوبا ضمن القائمة التي أعدتها وزارة الخارجية الأمريكية وأن توضّح ماهيّة دور وموقف موظفيها في اللقاءات التي سبقتها والمنعقدة بالصّدد مع الولايات المتحدة.

كدولة كانت ضحية للإرهاب، تأسف كوبا لجميع مظاهر التلاعب السياسي والانتهازية في التعامل مع مثل هذه القضية الحساسة.



التعليق


أترك تعليقا
الجميع مطلوبة
لم يتم نشره
captcha challenge
up